تناسلت الأسئلة مؤخرا بمناسبة تشجيع الدولة للسينمائيين لكي يغوصوا بلغة الصورة في الموروث الثقافي والفني للتراث الصحراوي ، خصوصا بعدما لاحظ المتخصصون والنقاد والسينفيليون أن جل الأفلام التي أنجزت في هذا الإطار لاترقى لقيمة الموضوع المطروق ولا لجديته وأهميته.
في نفس السياق ولراهنية التيمة نظمت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية برواقها ضمن فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان أوروبا الشرق ندوة تحت عنوان"الفيلم الوثائقي من التراث الشفهي إلى الصورة الموثقة :التراث الصحراوي نموذجا"، والتي عرفت مشاركة نقاد ومتدخلين في الميدان.
وكان أول المتدخلين الباحث والناقد الفني أحمد الدافري الذي أكد أن للموضوع راهنيته بحكم أن للثقافة الشفاهية رافدا في التربية والتكوين وأيضا دافعا لوسائل التواصل، مفرقا بينها كمحتوى وبين الكلام، ثم استرسل في التعريف بالثقافة الشفاهية معتبرا إياها ثروة إنسانية ليس من الضرورة أن تكون مرتبطة بالمكتوب.
وحذر المتدخل من كون أن الثقافة الشفاهية قد تتعرض لإديولوجيا معينة عقائدية أو سياسية فتصير مجالا لممارسة التضليل ، ولهذا يجب أن تتمرد على المقدس وأن تظل دائما خاضعة للمساءلة حتى تكون مفيدة في استشراف المستقبل.
الباحث الدكتور حبيب ناصري ابتدأ مداخلته بالحديث عن تجربته الجامعية حينما اختار الاشتغال على "عبيدات رما" لتفاجئه الأستاذة المشرفة بكون أن الموضوع لايهمها، لكنه أصر على المُضي في نفس التيمة ليصدر بحثه سنة 1987 ، حيث أنه لم تكن تُقبل آنذاك بحوث سوى حول الأعمال الأدبية فقط. وقال المتدخل أنه استمر في الاشتغال على نفس التيمات مقترحا وهو يدرس في المدرسة العليا للأساتذة إمكانية تدريس الأدب الشعبي بالمدارس الثانوية. وبرَّر مدخله هذا بكون أنه "كلما اقتربنا من المتن الشعبي إلا ونكون قد حققنا هويتنا واقتربنا منها".
وفيما يخص السينما الوثائقية وبخصوص التجارب التي تطرقت للثقافة الحسانية فيعتبر المتدخل أن بعضها سقط في البروباغاندا في مقابل تجارب مهمة ومستقلة وبرؤى مختلفة ومقاربات مغايرة عند كل من حكيم بلعباس وإيزة جنيني وعلي الصافي، كونها تجعل المشاهد يستمتع ويستلذ وهذا هو دور الفن حسب رأيه ، وإلا فالسقوط في الروبورطاج والمباشرة هو المآل.
الباحث والناقد حمادي كيروم تحدث في مداخلته عن تجربة جمعته بالمخرج حكيم بلعباس مع طلبة اشتغلوا سينمائيا على الثقافة الصحراوية، وأضاف أنه حينما وجد نفسه في الصحراء هو وبلعباس طرحا على نفسيهما سؤالا ماهيته أن كيف يمكن تصوير التاريخ الثقافي للمنطقة ، ولما بدؤوا العمل اقتنعوا أن العملية تتطلب جهدا حسيا بما أن العقلانية قد انتهت كما يعتبر ذلك المتدخل.
المخرج حكيم بلعباس صار في نفس مسار مداخلة الباحث الذي سبقه متحدثا عن تجربته الحسية مع الطلبة الذين أطرهم في تجارب قاربت تيمة الصحراء والثقافة الحسانية، معترفا أنه اكتشف معهم أحاسيس جميلة، واعتبر التجربة مخاضا فكريا وفنيا جد مهم.
وكانت آخر مداخلة للعبادلة ماء العينين الذي تحدث عن دور قناة العيون التلفزية في توثيق التراث الصحراوي بحيث قام العاملون بها بجهد جبار في هذا الإطار.